كانت ليلة قاسية البرودة .. سحبت الغطاء و أسندت الوسادة على الفراش و جلسة أُدفئ نفسي قليلا .. حملت أحد الكتب التي كنت أقرؤها .. فقرأت منه القليل ثم قطعت الكهرباء .. كان ذلك الشعور القاسي الذي أصاب به مع كل انقطاع للكهرباء ،أٓن أُجبر على ترك ما بدأت به .. فوضعت الكتاب جانباً .. و استلقيت على السرير .. كان صوت الهواء في تلك الليلة مخيفاً جداً .. كنت لا أميزه عن صوت إطلاق القذائف .. فبدأت أتخيل ذلك الطفل النائم على حافة الطريق و الآخر الذي كان يبيع علب المناديل .. و تلك العوائل التي أصبحت مساكنها إما بيت من خراب أو حديقة تعرت أشجارها من أوراق الربيع و لبست قسوة الشتاء .. كيف هي أحوالها مع تلك الأجواء .. بدأت تتسلل الدموع من عيني فأغلقتها بقسوة و أجبرت نفسي على النوم .. أنتظر الغد ، لأنتهي من تقديم احدى مواد الجامعة .. مرّ الليل على كل نائم بسكون .. و على من أرق بخوف و رعب شديدين .. و أتى الفجر و تلاه الضحى .. جهزت نفسي و خرجت سائرة للجامعة .. و ما إن اقتربت الساعة السابعة .. و إِذ بصوت الراجمة يسمع من اليمين و يتلوه صوت الدمار من اليسار .. ثم توالت أصوات القذائف و الصواريخ .. و أصوات سيارات الإسعاف من كل منطقة يسمع .. كانت تلك الساعة .. ساعة ذهاب الطلاب للمدارس و الموظفين للعمل .. في تلك الساعة سقطت دموع جدّاتٍ على أحفادهم ، خوفاً عليهم .. و أمهاتٍ على أطفالهم .. و زوجاتٍ على أزواجهم .. بدأت الإتصالات من كل فرد للآخر ..
- أين أنت ؟..
-عد للمنزل؟ ..
-لا تخرجوا !..
-الوضع مخيف!!..
كنت حينها أسرع خطواتي فقد اقتربت جداً من الجامعة .. و إذْ يسقط من خلفي أحد الصواريخ على سيارة كانت من نصيبه .. سقَطْتُ من شدّة الصوت و شعرت أنّٓ الأَرض ترتجف من تحتي .. و كأن بركان سينفجر منها .. أسرعت و دخلت باب الجامعة و إذ بالدكاترة و المسؤولين جميعهم ينزلون الطلبة الى القبو .. لحظات و أصيب المبنى الجامعيُّ بعدة قدائف .. كان الخوف و القلق على وجوه الجميع .. و في تلك الأجواء .. انتبهت لهاتفي ..
-أمي نعم .. أنا بخير ، لا تقلقي ،
-عندما يهدأ الوضع سأعود فوراً ..
أغلقت بسرعة قبل أن أسمع لبكائها صوتا ..
جلسنا في القبو مدّة ساعة و نصف .. ريثما هدأ الوضع .. و بعدها بدؤو يخرجوننا الواحد تلو الأخر .. خرجت و أنا أنطق الشهادة و أستودع الله روحي .. و عدّت أسير ذات الطريق الذي أتيت منه .. لكنه كان مختلفاً .. فقد صبغ بلون الدماء .. و المصابون مازالو على الرصيف ينتظرون سيارات الاسعاف .. أسرعت دون التفاف .. ووصلت المنزل بأمان .. أدركت يومها أن روحي ليست من الأرواح التي كتب عليها الفناء يومها .. وعدت أجهز لذلك اليوم .. فلا أعلم إن كانت النهاية على السرير .. أم تحت القصف و التدمير ..
٥-٢- ٢٠١٥ م
١٦-ربيع الاخر-١٤٣٦ هـ
ليست #حقيقة و لكن #واقع
تعليقات
إرسال تعليق